تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 285 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 285

285 : تفسير الصفحة رقم 285 من القرآن الكريم

** وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىَ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مّحْسُوراً * إِنّ رَبّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
يقول تعالى آمراً بالاقتصاد في العيش, ذاماً للبخل, ناهياً عن السرف {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} أي لا تكن بخيلاً منوعاً, لا تعطي أحداً شيئاً, كما قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ يد الله مغلولة أي نسبوه إلى البخل, تعالى وتقدس الكريم الوهاب, وقوله {ولا تبسطها كل البسط} أي ولا تسرف في الإنفاق, فتعطي فوق طاقتك, وتخرج أكثر من دخلك فتقعد ملوماً محسوراً, وهذا من باب اللف والنشر, أي فتقعد إن بخلت ملوماً يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك, كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلقة:
ومن كان ذا مال فيبخل بمالهعلى قومه يستغن عنه ويذمم
ومتى بسطت يدك فوق طاقتك, قعدت بلا شيء تنفقه, فتكون كالحسير, وهو الدابة التي عجزت عن السير فوقفت ضعفاً وعجزاً, فإنها تسمى الحسير, وهو مأخوذ من الكلال, كما قال {فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير} أي كليل عن أن يرى عيباً, هكذا فسر هذه الاَية بأن المراد هنا البخل والسرف: ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم. وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج, عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما, فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره, وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة منها مكانها, فهو يوسعها فلا تتسع» هذا لفظ البخاري في الزكاة.
وفي الصحيحين من طريق هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر, عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنفقي هكذا وهكذا وهكذا ولا توعي فيوعي الله عليك, ولا توكي فيوكي الله عليك». وفي لفظ «ولا تحصي فيحصي الله عليك». وفي صحيح مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله قال لي: أنفق, أنفق عليك» وفي الصحيحين من طريق معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً, ويقول الاَخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً».
وروى مسلم عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه, عن أبي هريرة مرفوعاً «ما نقص مال من صدقة, وما زاد الله عبداً أنفق إلا عزاً, ومن تواضع لله رفعه الله» وفي حديث أبي كثير عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً «إياكم والشحّ فإنه أهلك من كان قبلكم, أمرهم بالبخل فبخلوا, وأمرهم بالقطيعة فقطعوا, وأمرهم بالفجور ففجروا». وروى البيهقي من طريق سعدان بن نصر عن أبي معاوية عن الأعمش, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يخرج رجل صدقة حتى يفك لحي سبعين شيطاناً».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبيدة الحداد, حدثنا سكين بن عبد العزيز, حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما عال من اقتصد» وقوله: {إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} إخباراً أنه تعالى هو الرزاق القابض الباسط المتصرف في خلقه بما يشاء, فيغني من يشاء, ويفقر من يشاء لما له في ذلك من الحكمة, ولهذا قال: {إنه كان بعباده خبيراً بصير} أي خبيراً بصيراً بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر, كما جاء في الحديث «إن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الفقر, ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه, وإن من عبادي لمن لا يصلحه إلا الغنى, ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه» وقد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجاً, والفقر عقوبة, عياذاً بالله من هذا وهذا.

** وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُم إنّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً
هذه الاَية الكريمة دالة على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده, لأنه نهى عن قتل الأولاد كما أوصى الاَباء بالأولاد في الميراث, وكان أهل الجاهلية لا يورثون البنات بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عليلته, فنهى الله تعالى عن ذلك وقال {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} أي خوف أن تفتقروا في ثاني حال, ولهذا قدم الاهتمام برزقهم فقال: {نحن نرزقهم وإياكم} وفي الأنعام {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} أي من فقر {نحن نرزقكم وإياهم}. وقوله {إن قتلهم كان خطأ كبير} أي ذنباً عظيماً, وقرأ بعضهم: كان خطأ كبيراً وهو بمعناه, وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم: قال «أن تجعل لله نداً وهو خلقك ـ قلت: ثم أي ؟ ـ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ـ قلت: ثم أي ؟ ـ قال: أن تزاني بحليلة جارك».

** وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً
يقول تعالى ناهياً عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} أي ذنباً عظيماً {وساء سبيل} أي بئس طريقاً ومسلكاً.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا, فأقبل القوم عليه فزجروه, وقالوا: مه مه, فقال «ادنه» فدنا منه قريباً, فقال «اجلس» فجلس, فقال «أتحبه لأمك» ؟ قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم, قال: «أفتحبه لابنتك ؟» قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: «أفتحبه لأختك ؟» قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم, قال «أفتحبه لعمتك ؟» قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم, قال «أفتحبه لخالتك ؟» قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم, قال فوضع يده عليه, وقال «اللهم اغفر ذنبه, وطهر قلبه, وأحصن فرجه» قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء, وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عمار بن نصر, حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له».

** وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فّي الْقَتْلِ إِنّهُ كَانَ مَنْصُوراً
يقول تعالى ناهياً عن قتل النفس بغير حق شرعي, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والزاني المحصن, والتارك لدينه المفارق للجماعة». وفي السنن «لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم». وقوله: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطان} أي سلطة على القاتل, فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قوداً, وإن شاء عفا عنه على الدية, وإن شاء عفا عنه مجاناً, كما ثبتت السنة بذلك, فإنه بالخيار الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الاَية الكريمة ولاية معاوية السلطنة أنه سيملك لأنه كان ولي عثمان, وقد قتل مظلوماً رضي الله عنه, وكان معاوية يطالب علياً رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم, لأنه أموي, وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك, ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك, حتى يسمله القتلة, وأبى أن يبايع علياً هو وأهل الشام, ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه, كما قاله ابن عباس واستنبطه من هذه الاَية الكريمة, وهذا من الأمر العجب.
وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال: حدثنا يحيى بن عبد الباقي, حدثنا أبو عمير بن النحاس, حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شودب عن مطر الوراق, عن زهدم الجرمي قال: كنا في سمر ابن عباس فقال: إني محدثكم بحديث ليس بسر ولا علانية, إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان (يعني عثمان), قلت لعلي: اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج فعصاني, وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية, وذلك أن الله يقول: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل} الاَية, وليحملنكم قريش على سنة فارس والروم, وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس, فمن أخذ منكم يومئذ بما يعرف نجا, ومن ترك ـ وأنتم تاركون ـ كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك وقوله: {فلا يسرف في القتل} قالوا: معناه فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل. وقوله: {إنه كان منصور} أي إن الولي منصور على القاتل شرعاً وغالباً قدراً.

** وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّىَ يَبْلُغَ أَشُدّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
يقول تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} أي لا تتصرفوا في مال اليتيم إلا بالغبطة {ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً, وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين, ولا تولين مال اليتيم» وقوله {وأوفوا بالعهد} أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم بها, فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه {إن العهد كان مسئول} أي عنه.
وقوله: {وأوفوا الكيل إذا كلتم} أي من غير تطفيف ولا تبخسوا الناس أشياءهم, {وزنوا بالقسطاس} قرىء بضم القاف وكسرها, كالقرطاس, وهو الميزان. وقال مجاهد: هو العدل بالرومية. وقوله: {المستقيم} أي الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا اضطراب {ذلك خير} أي لكم في معاشكم ومعادكم, ولهذا قال {وأحسن تأويل} أي مآلا ومنقلباً في آخرتكم, قال سعيد عن قتادة {ذلك خير وأحسن تأويل} أي خير ثواباً وأحسن عاقبة. وابن عباس كان يقول: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم, هذا المكيال, وهذا الميزان, قال: وذكر لنا أن نبي الله عليه الصلاة والسلام كان يقول «لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله, إلا أبدله الله به في عاجل الدنيا قبل الاَخرة ما هو خير له من ذلك».

** وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولـَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: لا تقل. وقال العوفي: لا ترم أحداً بما ليس لك به علم. وقال محمد بن الحنفية: يعني شهادة الزور. وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر, وسمعت ولم تسمع, وعلمت ولم تعلم, فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله, ومضمون ما ذكروه أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال, كما قال تعالى: {اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} وفي الحديث «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث». وفي سنن أبي داود «بئس مطية الرجل زعموا» وفي الحديث الاَخر «إن أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا». وفي الصحيح «من تحلم حلماً كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل».
وقوله: {كل أولئك} أي هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد {كان عنه مسئول} أي سيسأل العبد عنها يوم القيامة, وتسأل عنه عما عمل فيها, ويصح استعمال أولئك مكان تلك, كما قال الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام

** وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهاً
يقول تعالى ناهياً عباده عن التجبر والتبختر في المشية {ولا تمش في الأرض مرح} أي متبختراً متمايلاً مشي الجبارين {إنك لن تخرق الأرض} أي لن تقطع بمشيك, قاله ابن جرير, واستشهد عليه بقول رؤبة بن العجاج:
وقاتم الأعماق خاوي المخترقن
وقوله: {ولن تبلغ الجبال طول} أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك, بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده, كما ثبت في الصحيح «بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما, إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته, وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض, وفي الحديث «من تواضع لله رفعه الله, فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير, ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير, حتى لهو أبغض إليهم من الكلب والخنزير, وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير, حدثنا حجاج بن محمد عن أبي بكر الهذلي قال بينما نحن مع الحسن إذ مر عليه ابن الأهيم يريد المنصور, وعليه جباب خز قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه, وانفرج عنها قباؤه, وهو يمشي ويتبختر, إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال: أف أف, شامخ بأنفه, ثاني عطفه, مصعر خده, ينظر في عطفيه, أي حميق ينظر في عطفه في نعم غير مشكورة ولا مذكورة, غير المأخوذ بأمر الله فيها, ولا المؤدي حق الله منها, والله أن يمشي أحدهم طبيعته يتلجلج تلجلج المجنون في كل عضو منه نعمة, وللشيطان به لعنة, فسمعه ابن الأهيم فرجع يعتذر إليه, فقال: لا تعتذر إلي وتب إلى ربك, أما سمعت قول الله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طول}.
ورأى البختري العابد رجلاً من آل علي يمشي وهو يخطر في مشيته, فقال له: يا هذا, إن الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته, قال: فتركها ورأى ابن عمر رجلاً يخطر في مشيته, فقال: إن للشياطين إخواناً. وقال خالد بن معدان: إياكم والخطر, فإن الرجل يده من سائر جسده, رواهما ابن أبي الدنيا, وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا خلف بن هشام البزار, حدثنا حماد بن زيد عن يحيى عن سعيد عن بحنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء, وخدمتهم فارس والروم, سلط بعضهم على بعض».
وقوله: {كل ذلك كان سئيه عند ربك مكروه} أما من قرأ سيئة, أي فاحشة فمعناه عنده كل هذا الذي نهيناه عنه من قوله: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} إلى هنا فهو سيئه مؤاخذ عليها مكروه عند الله لا يحبه ولا يرضاه, وأما من قرأ سيئه على الإضافة فمعناه عنده كل هذا الذي ذكرناه من قوله: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} إلى هنا فسيئه أي فقبيحه مكروه عند الله, هكذا وجه ذلك ابن جرير رحمه الله.